عائلة السلالمية
عائلة السلالمية
عائلة السلالمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

عائلة السلالمية

الموقع الرسمى لعائله السلالميه بالفيوم وشمال سيناء
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الواح موسى ـ ملخص من تفسير الميزان،

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 141
تاريخ التسجيل : 08/12/2010

الواح موسى ـ ملخص من تفسير الميزان، Empty
مُساهمةموضوع: الواح موسى ـ ملخص من تفسير الميزان،   الواح موسى ـ ملخص من تفسير الميزان، Icon_minitimeالأحد ديسمبر 19, 2010 11:45 pm

ره كل مكان؟
وهناك احتمال آخر في تفسير هذه الآية وهو أنّ موسى(عليه السلام) طلب لنفسه هذا المطلب حقيقة، ولكن لم يكن مقصوده مشاهدته بالعين التي تستلزم جسمانيته تعالى، وتنافي نبوة موسى(عليه السلام)، بل المقصود هو نوع من الإدراك الباطني والمشاهدة الباطنية، نوع من الشهود الكامل الروحيّ والفكري، لأنّه كثيراً ما تستعمل الرؤية في هذا المعنى مثلما نقول: «أنا أرى في نفسي قدرةً على القيام بهذا العمل» في حين أنّ القدرة ليست شيئاً قابلا للرؤية، بل المقصود هو أنّني أجد هذه الحالة في نفسي بوضوح.
كان موسى(عليه السلام) يريد أن يصل إلى هذه المرحلة من الشهود والمعرفة، في حين أن الوصول إلى هذه المرحلة لم يكن ممكناً في الدنيا، وإن كان ممكناً في عالم الآخرة الذي هو عالم الشهود.
ولكن الله تعالى أجاب موسى(عليه السلام) قائلا: إنّ مثل هذه الرؤية غير ممكنة لك، ولإثبات هذا المطلب تجلّى للجبل، فتحطَّم الجبل وتلاشى، وبالتالي تاب موسى من هذا الطلب.(1)
ولكن هذا التّفسير مخالف لظاهر الآية المبحوثة هنا، ويتطلب ارتكاب التجوّز من جهات عديدة(2) هذا مضافاً إلى أنّه ينافي بعض الرّوايات الواردة في تفسير الآية أيضاً، فالحق هو التّفسير الأول.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ملخص من تفسير الميزان، المجلد الثامن، الصفحة 249 إلى 254.
2 ـ فهو مخالف لمفهوم الرؤية، ولإطلاق جملة «لن تراني» وجملة «أتهلكنا بما فعل السفهاء منّا».
هذا بغض النظر عن أن طلب الشهود الباطني ليس أمراً سيئاً ليتوب منه موسى، فقد طلب إبراهيم من الله مثل هذا المطلب في مجال المعاد أيضاً ولبى الله طلبه.
ولو أن الجواب في مجال الشهود الباطني لله بالنفي لما كان دليلا على المؤاخذة والعقاب.
[211]
4 ـ مم تاب موسى(عليه السلام)؟
إنّ آخر سؤال يطرح نفسه هنا هو: أن موسى(عليه السلام) بعد أن أفاق قال: (تبتُ إليك) في حين أنّه لم يرتكب إثماً أو معصية، لأن هذا الطلب كان من جانب بني إسرائيل، وكان طرحه بتكليف من الله، فهو أدى واجبه إذن، ثمّ إذا كان هذا الطلب لنفسه وكان مراده الشهود الباطني لم يُحسب هذا العمل إثماً؟؟
ولكن يمكن الجواب على هذا السؤال من جانبين:
الأوّل: أن موسى طلب مثل هذا الطلب بالنيابة عن بني إسرائيل، ومع ذلك طلب من الله أن يتوب عليه، وأظهر الإِيمان.
الآخر: أنّ موسى(عليه السلام) وإن كان مكلَّفاً بأن يطرح طلب بني إسرائيل، ولكنّه عندما تجلى ربّه للجبل واتّضحت حقيقة الأمر، انتهت مدّة هذا التكليف، وفي هذا الوقت لا بدّ من العودة إلى الحالة الأُولى يعني الرجوع إلى ما قبل التكليف، وإظهار إيمانه حتى لا تبقى شبهة لأحد، وقد بيّن ذلك بجملة، (إنّي تبت إليك وأنا أوّل المؤمنين).

5 ـ الله غير قابل للرؤية مطلقاً
إنّ هذه الآية من الآيات التي تشهد بقوة وجلاء أنّ الله غير قابل للرؤية والمشاهدة مطلقاً، لأنّ كلمة «لن» حسب ما هو مشهور بين اللغويين للنفي الأبدي، وعلى هذا الأساس يكون مفهوم جملة (لن تراني) إنّك لا تراني لا في هذا العالم ولا في العالم الآخر.
ولو أنّ أحداً شكّك ـ افتراضاً ـ في أن يكون «لن» للنفي التأبيدي يدل إطلاق الآية، وكون نفي الرؤية ذكر من دون قيد أو شرط على أن الله غير قابل للرؤية في مطلق الزمان وجميع الظروف.
إنّ الأدلة العقلية هي الأُخرى تهدينا إلى هذه الحقيقة، لأنّ الرؤية تختص
[212]
بالأجسام.
وعلى هذا الأساس، إذا جاء في الأحاديث والأخبار الإسلامية أو الآيات القرآنية عبارة «لقاء الله» فإن المقصود هو المشاهدة بعين القلب والعقل، لأنّ القرينة العقلية والنقلية أفضل شاهد على هذا الموضوع وقد كان لنا أبحاث أُخرى في ذيل الآية (102) من سورة الأنعام في هذا الصعيد.

* * *
[213]

الآيتان

قَالَ يَـمُوسَى إِنِّى اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَـلَتِى وَبِكَلَـمِى فَخُذْ مَآ ءَاتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّـكِرِينَ144 وَكَتَبْنَا لَهُ فِى الاَْلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيء مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلا لِّكُلِّ شَيء فَخُذْهَا بِقُوَّة وَامُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأحْسَنِهَا سَأُوِريكُمْ دَارَ الْفَـسِقِينَ145

التّفسير
ألواح التوراة:
وفي النهاية أنزل الله شرائع وقوانين دينه على موسى(عليه السلام).
ففي البداية: (قال يا موسى إنّي اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي).
فإذا كان الأمر كذلك (فخذ ما آيتناك وكن من الشاكرين).
فهل يستفاد من هذه الآية أن التكلم مع الله كان من إمتيازات موسى الخاصّة به دون بقية الأنبياء، يعني اصطفيتك لمثل هذا الأمر من بين الأنبياء؟
الحق أنّ هذه الآية ليست بصدد إثبات مثل هذا الأمر، بل إن هدف الآية ـ بقرينة ذكر الرسالات التي كانت لجميع الأنبياء ـ هو بيان امتيازين كبيرين
[214]
لموسى على الناس: أحدهما تلقي رسالات الله وتحمّلها، والآخر التكلّم مع الله، وكلا هذين الأمرين من شأنهما تقوية مقام قيادته بين أمته.
ثمّ أضاف تعالى واصفاً محتويات الألواح التي أنزلها على موسى(عليه السلام) بقوله: (وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء).
ثمّ أمره بأن يأخذ هذه التعاليم والأوامر مأخذ الجد، ويحرص عليها بقوة (فخذها بقوّة).
وأن يأمر قومه أيضاً بأن يختاروا من هذه التعاليم أحسنها (وأمر قومك يأخذوا بأحسنها).
كما يحذرهم بأن مخالفة هذه الأوامر والتعاليم والفرار من المسؤوليات والوظائف تستتبع نتائج مؤلمة، وأن عاقبتها هي جهنم وسوف يرى الفاسقون مكانهم (سأوريكم دار الفاسقين).

* * *

بحوث
ثمّ إن ها هنا نقاط عديدة ينبغي التوقف عندها والإلتفات إليها:

1 ـ نزول الألواح على موسى
إنّ ظاهر الآية الحاضرة يفيد أن الله تعالى أنزل ألواحاً على موسى(عليه السلام) قد كتب فيها شرائع التوراة وقوانينها، لا أنّه كانت في يدي موسى(عليه السلام) ألواح ثمّ انتقشت فيها هذه التعاليم بأمر الله.
ولكن ماذا كانت تلك الألواح، ومن أي مادة؟ إنّ القرآن لم يتعرض لذكر هذا الأمر، وإنما أشار إليها بصورة الإِجمال وبلفظة «الألواح» فقط، وهذه الكلمة جمع «لوح»، وهي مشتّقة من مادة «لاح يلوح» بمعنى الظهور والسطوع، وحيث
[215]
أنّ المواضيع تتّضح وتظهر بكتابتها على صفحة، تسمى الصفحة لوحا(1).
ولكن ثمّة احتمالات مختلفة في الرّوايات وأقوال المفسّرين حول كيفية وجنس هذه الألواح، وحيث إنّها ليست قطعية أعرضنا عن ذكرها والتعرض لها.

2 ـ كيف كلّم الله موسى؟
يستفاد من الآيات القرآنية المتنوعة أنّ الله تعالى كلّم موسى(عليه السلام)، وكان تكليم الله لموسى عن طريق خلق أمواج صوتية في الفضاء أو في الأجسام، وربّما انبعثت هذه الأمواج الصوتية من خلال «شجرة الوادي الأيمن» وربّما من «جبل طور» وتبلغ مسمع موسى فما ذهب اليه البعض من أن هذه الآيات تدلّ على جسمانية الله تعالى جموداً على الألفاظ تصوُّر خاطىء بعيد عن الصواب.
على أنّه لا شك في أن ذلك التكلُّم كان من جانب الله تعالى بحيث أن موسى(عليه السلام) كان لا يشك عند سماعه له في أنّه من جانب الله، وكان هذا العلم حاصلا لموسى، إمّا عن طريق الوحي والإِلهام أو من قرائن أُخرى.

3 ـ عدم وجوب جميع تعاليم الألواح
يستفاد من عبارة (من كل شيء موعظة) أنّه لم تكن جميع المواعظ والمسائل موجودة في ألواح موسى(عليه السلام) لأنّ الله يقول: (وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة) وهذا لأجل أن دين موسى(عليه السلام) لم يكن آخر دين، ولم يكن موسى(عليه السلام) خاتم الإنبياء، ومن المسلّم أن الأحكام الإلهية التي نزلت كانت في حدود ما يحتاجه الناس في ذلك الزمان، ولكن عندما وصلت البشرية إلى آخر مرحلة حضارية للشرايع السماوية نزل آخر دستور إلهي يشمل جميع حاجات
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ تفسير التبيان، المجلد الرّابع، الصفحة 539.
[216]
الناس المادية والمعنوية.
وتتّضح من هذا أيضاً علة تفضيل مقام علي(عليه السلام) على مقام موسى(عليه السلام) في بعض الرّوايات(1)، وهي أن علياً(عليه السلام) كان عارفاً بجميع القرآن، الذي فيه تبيان كل شيء (نزلنا عليك الكتاب تبياناً لكلّ شيء) في حين أنّ التوراة لم يرد فيها إلاّ بعض المسائل.

4 ـ هل في الألواح تعاليم حسنة وأُخرى غير حسنة؟
إنّ ما نقرؤه في الآية (وامر قومك يأخذوا بأحسنها) لا يعني أنّه كانت في ألواح موسى تعاليم «حسنة» وأُخرى «سيئة» وأنّهم كانوا مكلَّفين بأن يأخذوا بالحسنة ويتركوا السيئة، أو كان فيها الحسن والأحسن، وكانوا مكلّفين بالأخذ بالأحسن فقط، بل ربّما تأتي كلمة «أفعل التفضيل» بمعنى الصفة المشبهة، والآية المبحوثة من هذا القبيل ظاهراً، يعني أن «الأحسنْ» هنا بمعنى «الحسن» وهذا إشارة إلى أن جميع تلك التعاليم كانت حسنة وجيدة.
ثمّ إنّ هناك احتمالا آخر في الآية الحاضرة ـ أيضاً ـ وهو أن الأحسن بمعنى أفعل التفضيل، وهو إشارة إلى أنّه كان بين تلك التعاليم أُمور مباحة (مثل القصاص) وأُمور أُخرى وصفت بأنّها أحسن منها (مثل العفو) يعني: قل لقومك ومن اتبعك ليختاروا ما هو أحسن ما استطاعوا، وللمثال يرجحوا العفو على القصاص (إلاّ في موارد خاصّة).(2)
5 ـ في مجال قوله: (سأوريكم دار الفاسقين) الظاهر أن المقصود منها هو جهنم، وهي مستقرّ كل أُولئك الذين يخرجون من طاعة الله، ولا يقومون
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ للوقوف على هذه الرّوايات يراجع تفسير نورالثقلين، المجلد الثّاني، الصفحة 68.
2 ـ ويحتمل أيضاً أن الضمير في «أحسنها» يرجع إلى «القوة» أو «الأخذ بقوة» وهو إشارة إلى أن عليهم أن يأخذوا بها بأفضل أنواع الجدية والقوة والحرص.
[217]
بوظائفهم الإلهية.
ثمّ إنّ بعض المفسّرين احتمل أيضاً أن يكون المقصود هو أنّكم إذا خالفتم هذه التعاليم فإنكم سوف تصابون بنفس المصير الذي أصيب به قوم فرعون والفسقة الآخرون، وتتبدل أرضكم إلى دار الفاسقين(1).


* * *
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ تفسير المنار المجلد التاسع الصفحة 193.
[218]

الآيتان

سَأَصْرِفُ عَنْ ءَايَـتِى الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِى الاَْرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ ءَايَة لاَّ يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا وَ إِن يَرَوْا سَبيلَ الْغَىِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِأيَـتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَـفِلينَ 146 وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِأيَـتِنَا وَلِقَآءِ الاْخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَـلُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ 147

التّفسير
مصير المتكبرين:
البحث في هاتين الآيتين هو في الحقيقة نوع من عملية استنتاج من الآيات الماضية عن مصير فرعون وملئَه والعصاة من بني إسرائيل، فقد بيّن الله في هذه الآيات الحقيقة التالية وهي: إذا كان الفراعنة أو متمرّدو بني إسرائيل لم يخضعوا للحق مع مشاهدة كل تلك المعاجز والبينات، وسماع كل تلكم الحجج والآيات الإلهية، فذلك بسبب أنّنا نصرف المتكبرين والمعاندين للحق ـ بسبب أعمالهم ـ عن قبول الحق.
[219]
وبعبارة أُخرى: إنّ الإصرار على تكذيب الآيات الإِلهية قد ترك في نفوسهم وأرواحهم أثراً عجيباً، بحيث خلق منهم أفراداً متصلبين منغلقين دون الحق، لا يستطيع نور الهدى من النفوذ إلى قلوبهم.
ولهذا يقول أوّلا: (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحقّ).
ومن هنا يتّضح أنّ الآية الحاضرة لا تنافي أبداً الأدلة العقلية حتى يقال بتأويلها كما فعل كثير من المفسّرين ـ إنّها سنة إِلهية أن يسلب الله من المعاندين الألدّاء توفيق الهداية بكل أشكاله وأنواعه فهذه هي خاصية أعمالهم القبيحة أنفسهم، ونظراً لإنتساب جميع الأسباب إلى الله الذي هو علّة العلل ومسبب الأسباب في المآل نسبت إليه.
وهذا الموضوع لا هو موجب للجبر، ولا مستلزم لأي محذور آخر، حتى نَعمد إلى توجيه الآية بشكل من الأشكال.
هذا، ولابدّ من الإلتفات ـ ضمنياً ـ إلى أنّ ذكر عبارة (بغير الحق) بعد لفظة: (التّكبر) إنّما هو لأجل التأكيد، لأنّ التكبر والشعور بالإستعلاء على الآخرين وإحتقار عباد الله يكون دائماً بغير حق، وهذا التعبير يشبه الآيه (61) من سورة البقرة، عندما يقول سبحانه: (ويقتلون النّبيين بغير الحق) فقيد بغير الحق هنا قيد توضيحي، وتوكيدي لأنّ قتل الأنبياء هو دائماً بغير حق.
خاصّة أنّها أُردِفَت بكلمة «في الأرض» الذي يأتي بمعنى التكبر والطغيان فوق الأرض، ولا شك أنّ مثل هذا العمل يكون دائماً بغير حق.
ثمّ أشار تعالى إلى ثلاثة أقسام من صفات هذا الفريق «المتكبر المتعنت» وكيفية سلب توفيق قبول الحق عنهم.
الأُولى قوله تعالى: (وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها) إنّهم لا يؤمنون حتى ولو رأوا جميع المعاجز والآيات والثّانية، (وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه
[220]
سبيلا)والثّالثة إنّهم على العكس (وإن يروا سبيل الغي يتّخذوه سبيلا).
بعد ذكر هذه الصفات الثلاث الحاكية برمتها عن تصلب هذا الفريق تجاه الحق، أشار إلى عللها وأسبابها، فقال: (ذلك بأنّهم كذّبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين).
ولا شك أنّ التكذيب لآيات الله مرّة ـ أو بضع مرات ـ لا يستوجب مثل هذه العاقبة، فباب التوبة مفتوح في وجه مثل هذا الإنسان، وإنّما الإصرار في هذا الطريق هو الذي يوصل الإنسان إلى نقطة لا يعود معها يميّز بين الحسن والقبيح، والمستقيم والمعوج، أي يسلب القدرة على التمييز بين «الرشد» و«الغي».
ثمّ تبيّنُ الآيةُ اللاحقةُ عقوبةَ مثل هؤلاء الأشخاص وتقول: (والذين كذّبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم).
و «الحبط» يعني بطلان العمل وفقدانه للأثر والخاصيه، يعني أنّ مثل هؤلاء الأفراد حتى إذا عملوا خيراً فإنّ عملهم لن يعود عليهم بنتيجة (وللمزيد من التوضيح حول هذا الموضوع راجع ما كتبناه عند تفسير الآية 217 من سورة البقرة).
وفي ختام الآية أضاف بأن هذا المصير ليس من باب الإنتقام منهم، إنما هو نتيجة أعمالهم هم، بل هو عين أعمالهم ذاتها وقد تجسمت أمامهم (هل يجزون إلاّ ما كانوا يعملون)؟!
إنّ هذه الآية نموذج آخر من الآيات القرآنية الدالة على تجسّم الأعمال، وحضور أعمال الإنسان خيرها وشرها يوم القيامة.


* * *
[221]

الآيتان

وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلا جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَـلِمينَ 148 وَلَمَّا سُقِطَ فِى أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَـسِرِينَ149

التّفسير
اليهود وعبادتهم للعجل:
في هذه الآيات يقصّ القرآن الكريم إحدى الحوادث المؤسفة، وفي نفس الوقت العجيبة التي وقعت في بني إسرائيل بعد ذهاب موسى(عليه السلام) إلى ميقات ربّه، وهي قصّة عبادتهم للعجل التي تمّت على يد شخص يدعى «السامري» مستعيناً بحلي بني إسرائيل وما كان عندهم من آلات الزّينة.
إنّ هذه القصّة مهمّة جدّاً بحيث إنّ الله تعالى أشار إليها في أربع سور، في سورة البقرة الآية (51) و (54) و (92) و (93)، وفي سورة النساء الآية (153)، والأعراف الآيات المبحوثة هنا، وفي سورة طه الآية (88) فما بعد.
على أنَّ هذه الحادثة مثل بقية الظواهر الإِجتماعية لم تكن لتحدث من دون
[222]
مقدمة وأرضيَّة، فبنوا إسرائيل من جهة قضوا سنين مديدة في مصر وشاهدوا كيف يعبد المصريون الأبقار أو العجول. ومن جانب آخر عندما عبروا النيل شاهدوا في الضفة الأُخرى مشهداً من الوثنية، حيث وجدوا قوماً يعبدون البقر، وكما مرّ عليك في الآيات السابقة طلبوا من موسى(عليه السلام) صنماً كتلك الأصنام، ولكن موسى(عليه السلام)وبّخهم وردّهم، ولامهم بشدّة.
وثالث، تمديد مدّة ميقات موسى(عليه السلام) من ثلاثين إلى أربعين، الذي تسبب في أن تشيع في بني إسرائيل شائعة وفاة موسى(عليه السلام) بواسطة بعض المنافقين، كما جاء في بعض التفاسير.
والأمر الرابع، جهل كثير من بني إسرائيل بمهارة السامريّ في تنفيذ خِطته المشؤومة، كل هذه الأُمور ساعدت على أن تُقبل أكثرية بني إسرائيل في مدّة قصيرة على الوثنية، ويلتفوا حول العجل الذي أوجده لهم السامريّ للعبادة.
وفي الآية الحاضرة يقول القرآن الكريم أوّلا: إنّ قوم موسى(عليه السلام) بعد ذهابه إلى ميقات ربّه صنعوا من حليّهم عجلا، وكان مجرّد تمثال لا روح فيه، ولكنّه كان له صوت كصوتِ البقر، واختاروه معبوداً لهم: (واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسداً له خوار).
ومع أنّ هذا العمل (أي صنع العجل من الحلي) صدر من السامريّ (كما تشهد بذلك آيات سورة طه) إلاّ أنّه مع ذلك نسب هذا العمل إلى بني إسرائيل لأنّ كثيراً منهم ساعد السامريّ في هذا العمل وعاضده، وبذلك كانوا شركاء في جريمته، في حين رضي بفعله جماعة أكبر منهم.
وظاهر هذه الآية وإن كان يفيد ـ في بدء النظر ـ أنّ جميع قوم موسى شاركوا في هذا العمل، إلاّ أنّه بالتوجه إلى الآية (159) من هذه السورة، التي تقول: (ومن قوم موسى أُمّة يهدون بالحقّ وبه يعدلون) يستفاد أنّ المراد من الآية المبحوثة هنا ليس كلّهم، بل أكثرية عظيمة منهم سلكوا هذا السبيل، وذلك بشهادة الآيات
[223]
القادمة التي تعكس عجز هارون عن مواجهتها وصرفها عن ذلك.

كيف كان للعجل الذهبي خوار؟
و«الخوار» هو الصوت الخاص الذي يصدر من البقر أو العجل، وقد ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ السامري بسبب ما كان عنده من معلومات وضع أنابيب خاصّة في باطن صدر العجل الذهبي، كان يخرج منها هواء مضغوط فيصدر صوت من فم ذلك العجل الذهبيّ شبيه بصوت البقر.
ويقول آخرون: كان العجل قد وضع في مسير الريح بحيث كان يسمَع منه صوتٌ على أثر مرور الريح على فمه الذي كان مصنوعاً بِهيئة هندسية خاصّة.
أمّا ما ذهب إليه جماعة من المفسّرين من أن السامريّ أخذ شيئاً من تراب من موضع قدم جبرئيل وصبّه في العجل فصار كائناً حياً، وأخذ يخور خواراً طبيعياً فلا شاهد عليه في آيات القرآن الكريم، كما سيأتي بإذن الله في تفسير آيات سورة طه.
وكلمة «جسداً» شاهد على أن ذلك العجل لم يكن حيواناً حياً، لأنّ القرآن يستعمل هذه اللفظة في جميع الموارد في القرآن الكريم بمعنى الجسم المجرّد من الحياة والروح(1).
وبغض النظر عن جميع هذه الأُمور يبعد أن يكون الله سبحانه قد أعطى الرجلَ المنافق (مثل السامريّ) مثل تلك القدرة التي يستطيع بها أن يأتي بشيء يُشبه معجزة النّبي موسى(عليه السلام)، ويحيي جسماً ميتاً، ويأتي بعمل يوجب ضلال الناس حتماً ولا يعرفون وجه بطلانه وفساده.
أمّا لو كان العجل بصورة تمثال ذهبي كانت أدلة بطلانه واضحة عندهم،
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ راجع الآيات (Cool من سورة الأنبياء، و (34) من سورة ص.
[224]
وكان من الممكن أن يكون وسيلة لإختبار الأشخاص لا شيء آخر.
والنقطة الأُخرى التي يجب الإِنتباه إليها، هي أنّ السامري كان يعرف أن قوم موسى(عليه السلام) قد عانوا سنين عديدة من الحرمان، مضافاً إلى أنّهم كانت تغلب عليهم روح المادية ـ كما هو الحال في أجيالهم في العصر الحاضر ـ ويولون الحليّ والذهب احتراماً خاصّاً، لهذا صنع عجلا من ذهب حتى يستقطب إليه إهتمام بني إسرائيل من عبيد الثروة.
أمّا أن هذا الشعب الفقير المحروم من أين كان له كل ذلك الذهب والفضة؟ فقد جاء في الرّوايات أن نساء بني إسرائيل كنّ قد استعرن من الفرعونيين كمية كبيرة من الحليّ والذهب والفضّة لإِقامة أحد أعيادهن، ثمّ حدثت مسألة الغرق وهلاك آل فرعون، فبقيت تلك الحلي عند بني إسرائيل(1).
ثمّ يقول القرآن الكريم معاتباً وموبّخاً: ألم ير بنوإسرائيل أن هذا العجل لا يتكلم معهم ولا يهديهم لشيء، فكيف يعبدونه؟ (ألم يرو أنّه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا).
يعني أن المعبود الحقيقي هو من يعرف ـ على الأقل ـ الحسن والقبيح، وتكون له القدرة على هداية أتباعه، ويتحدث إلى عبدته ويهديهم سواء السبيل، ويعرّفهم على طريقة العبادة.
وأساساً كيف يسمح العقل البشري بأن يعبد الإنسان شيئاً ميتاً صنعه وسوّاه بيده، حتى لو استطاع ـ افتراضاً ـ أن يبدّل الحلّي إلى عجل واقعي فإنّه لا يليق به أن يعبده، لأنّه عجل يضرب ببلادته المثل.
إنّهم في الحقيقة ظلموا بهذا العمل أنفسهم، لهذا يقول في ختام الآية: (اتخذوه وكانوا ظالمين).
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ راجع تفسير مجمع البيان، ذيل الآية المبحوثة هنا.
[225]
بيد أنّه برجوع موسى(عليه السلام) إليهم، واتضاح الأمر عرف بنو إسرائيل خطأهم، وندموا على فعلهم، وطلبوا من الله أن يغفر لهم، وقالوا: إذا لم يرحمنا الله ولم يغفر لنا فإنّنا لا شك خاسرون (ولما سقط في أيديهم ورأوا أنّه قد ضلّوا قالوا لئن لم يرحمنا ربُّنا ويغفر لنا لنكوننّ من الخاسرين).
وجملة (سقط في أيديهم) أي عندما عثروا على الحقيقة، أو عندما وقعت نتيجة عملهم المشؤومة بأيديهم، أو عندما سقطت كل الحيل من أيديهم ولم يبق بأيديهم شيء في الأدب العربي كناية عن الندامة، لأنّه عندما يقف الإِنسان على الحقائق، ويطلع عليها، أو يصل إلى نتائج غير مرغوب فيها، أو تغلق في وجهه أبواب الحيلة، فإنّه يندم بطبيعة الحال، ولهذا يكون الندم من لوازم مفهوم هذه الجملة.
وعلى كل حال، فقد ندم بنو إسرائيل من عملهم، ولكن الأمر لم ينته إلى هذا الحدّ، كما نقرأ في الآيات اللاحقة.


* * *
[226]

الآيتان

وَلمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَـنَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِى مِن بَعْدِى أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الاَْلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِليْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِى وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِى فَلاَ تُشْمِتْ بِىَ الاَْعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِى مَعَ الْقَوْمِ الظَّـلِمِينَ150 قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِى وَلاَِخِى وَأَدْخِلْنَا فِى رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّحِمينَ151

التّفسير
ردة فعل شديدة تجاه عبادة العجل:
في هاتين الآيتين بيّن تعالى بالتفصيل ما جرى بين موسى(عليه السلام) وبين عبدة العجل عند عودته من ميقاته المشار اليه في الآية السابقة. فهاتان الآيتان تعكسان ردة فعل موسى(عليه السلام) الشديدة التي أدت إلى يقظة هذه الجماعة.
يقول في البدء: ولما عاد موسى(عليه السلام) إلى قومه غضبان ممّا صنع قومه من عبادة العجل، قال لهم: ضيعتم ديني وأسأتم الخلافة (ولمّا رجع موسى إلى قومه
[227]
غضبان أسفاً قال بئسما خلفتموني من بعدي)(1).
إنّ هذه الآية تفيد بوضوح أن موسى عند رجوعه إلى قومه من الميقات وقبل أن يلتقي ببني إسرائيل كان غضبان أسفاً، وهذا لأجل أن الله تعالى كان قد أخبر موسى(عليه السلام) بأنّه اختبر قومه من ب
عده وقد أضلّهم السامريّ (قال فإنّا قد فتنا قومك من 

بعدك فَأضلّهم السامريّ )(2).
ثمّ إنّ موسى(عليه السلام) قال لهم: (أعجلتم أمر ربّكم).
للمفسّرين كلام كثير في تفسير هذه الجملة، وقد ذكروا احتمالات عديدة مختلفة، إلاّ أن ظاهر الآيات يفيد أن المراد هو أنّكم تعجلتم في الحكم بالنسبة إلى أمر الله تعالى في قضية تمديد مدّة الميقات من ثلاثين إلى أربعين، فاعتبرتم عدم مجيئي في المدة المقررة ـ أوّلا ـ دليلا على موتي، في حين كان يتعين عليكم أن تتريثوا وتنتظروا قليلا ريثما تمرّ أيّام ثمّ تتّضح الحقيقة.

يحيي الشاذلي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://elsalalmea.yoo7.com
 
الواح موسى ـ ملخص من تفسير الميزان،
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ألواح موسى الفقرة الثانية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
عائلة السلالمية :: رومانتيك اكاديمى(يحيي الشــــــــــاذلي) :: منتدى الشاذلى للغات والترجمة-
انتقل الى: